كيف تغلّب ليندون نولز على وفاة والده ليصبح نجماً في المواي تاي: “خطوة بخطوة”

أمضى ليندون نولز أكثر من عقدين في القتال ليشقّ طريقه نحو قمة عالم المواي تاي، وهو سيحصل على فرصته أخيراً للظفر بأهمّ حزام في الرياضة فجر السبت في 5 نيسان/أبريل.
في الحدث الرئيسي لعرض ONE Fight Night 30، يتحدى النجم البريطاني المخضرم بطل العالم في رياضتين وعن فئتين وزنيتين مختلفتين رومان كريكليا على لقب الوزن الثقيل في المواي تاي أمام جمهور حلبة “لومبيني” العريقة في العاصمة التايلاندية بانكوك.
لقد كانت رحلة طويلة ومتعرّجة بالنسبة لـ”نولزي”، حيث تغلب على مأساة شخصية والعديد من التعثرات في مرحلة من الصعود والهبوط في طريقه إلى هذه الفرصة التي قد تغيّر حياته.
قبل أن يخوض نزاله الأول في بطولة “ون” ويتحدى كريكليا على الحزام الذهبي، شارك نولز سيرة حياته مع موقع onefc.com.
طفولة مثالية
بصفته الأخ الأصغر بين ثلاثة ثلاثة أخوة نشيطين ورياضيين، لا يملك نولز سوى ذكريات جميلة عن طفولته المليئة بالنشاطات والمنافسة بينه وبين إخوته.
يتذكّر نولز عمل والده لساعات طويلة في النهار والليل لتوفير احتياجات الأسرة، بينما كانت والده حاضرة دائماً في المنزل تدعم أولادها:
“عندما كنا صغاراً، كان والدي يعمل بكل جهده ليوفر لنا كل ما نحتاجه. كان لديه وظيفتين أو ثلاث. كان يعمل نجاراً في النهار وحارساً في الليل وفي وظائف أخرى في عطلة نهاية الأسبوع.
“بقيت أمي في المنزل تعتني بنا، نحن الأشقياء الثلاثة، ولكنها قامت بعمل رائع. لم نكُن بحاجة لركوب الحافلة أو القطار إلى أي مكان. كنا مدللين. كانت أمي توصلنا جميعاً إلى المدرسة وتأخذنا منها. كان جميع أصدقائي يغارون منا. كانت تأخذنا إلى تدريبات كرة القدم والسباحة إلى كل مكان. لم نكُن نفتقر إلى أي شيء. كنا محظوظين حقاً من هذه الناحية”.
خلال سنوات الطفولة، مارس نولز جميع الرياضات المتاحة. حتى في البيت، لم يتوقف هو وإخوته عن التنافس فيما بينهم.
لم يستقر نولز في رياضة المواي تاي إلا عندما كان على وشك التخرّج من المدرسة الثانوية:
“عندما كنا ثلاثة فتيان صغار، كنا نتمتع جميعاً بروح تنافسية. لذلك، كانت أمي تشاركنا في عدة رياضات. كنا سباحين جيدين وكنا نلعب كرة القدم في عطلة نهاية الأسبوع وكانت أمي تفعل أي شيء تسطيع فعله لإخراجنا من المنزل ومنعنا من الشجار.
“خضت أول سباق لي في السباحة ولعبة مباريات كرة القدم عندما كنت في السادسة من العمر وحتى عمر الـ17 عندما بدأت ممارسة المواي تاي. ولكن حديقتنا الخلفية كانت ساحة متعددة الأغراض عندما كنا صغاراً. ففي الشتاء، كنا نلعب كرة القدم وفي الصيف، كنا نلعب الكريكيت وكرة المضرب”.
المأساة تضرب العائلة
على خطى أخيه الأكبر، كريستيان، وقع نولز الصغير سريعاً في حب “فن الأطراف الثمانية”، وبعد فترة وجيزة، سافر إلى تايلاندي ليتعلم المهارات في الرياضة من موطنها الأصلي:
“لطالما شعرت بالراحة في دعم نفسي، لكنني دخلت عالم المواي تاي في السابعة عشرة من عمري بعد أن رأيت كريستيان يبدع في الرياضة. كان هذا دافعي. سافرت معه إلى تايلاند عدة مرات بعد ذلك، وأصبت بحمى الرياضات القتالية. أحببتها للغاية”.
وبعد مرور عامين فقط على انطلاق رحلته في المواي تاي، فقد نولز والده بسبب نوبة قلبية تعرض لها في عمر الـ59.
عائلة نولز بأكملها أصيبت بالحزن الشديد. كان رب الأسرة روحها السعيدة ورمزاً للعمل الجادّ، وقد ترك موته فراغاً كبيراً في العائلة المترابطة.
في نهاية المطاف، قاد موت والدهما كريستيان وليندون إلى طريق الاحتراف في المواي تاي التي يمارسانها حتى اليوم:
“عندما كنت في الـ19 من العمر، توفي والدي. كان ذلك وقتاً عصيباً علينا، فقدنا والدنا وقدوتنا، والشخص الذي أرسى لنا نموذجاً يُحتذى به لنرى كيف يُثمر العمل الجاد.
“تقبّل كريستيان الخسارة وقرر أنّ الحياة قصيرة للغاية. لم يرغب في حياة طبيعية أو وظيفة عادية. لذلك، شقّ طريقه الخاص وافتتح أول نادي لرياضة المواي تاي في المملكة المتحدة، وأعطيت صفوفاً تدريبية.
“خضت نزالي الثاني بعد وفاة والدي مباشرةً، وكان ذلك اختباراً حقيقياً بعد تلك المحنة. حينها قررت أنا وكريستيان خوض هذه الرحلة معاً”.
عملية الحزن
منذ ذلك الحين، كرّس كريستيان وليندون نفسيهما بين أبرز مقاتلي ومدربي المواي تاي البريطانيين. أما النادي، وهو Knowlesy Academy، فتحتضن نخبة من أفضل نجوم رياضات “السترايكينغ” في العالم، بمن فيهم حامل لقب وزن الديك في الكيك بوكسينغ جوناثان هاغرتي والمنافسة السابقة على بطولة العالم ماري ماكمانامون.
لكن خلف الكواليس، عانى “نولزي” من فقدان والده في سن مبكرة. ولأنه أصغر أفراد عائلته، لم يكُن لديه سوى القليل من الوقت لتكوين ذكريات مع والده:
“لطالما قالت أمي إنني المفضل لديه، لكننا لم نخرج معاً لتناول البيرة. وكنت صغيراً جداً عندما قضينا عطلات عائلية معاً ولذلك لا أتذكر الكثير منها. لكن لا يزال لديّ الكثير من الذكريات عنه. أتمنى لو قضينا وقتاً أكبر معاً. هذا هو حال العائلة، فمهما طال الوقت الذي تقضيه معهم، فلن تكتفي أبداً”.
في ذلك الوقت، كاد نولز أن يغرق في الحزن والأسى. شعر بالاكتئاب وقلة الحماس وعزلة بدون والده.
ساعده شقيقه الأكبر جوليان في التغلب على حزنه واستعادة شعوره بالطبيعية تدريجياً:
“لولا أخي الآخر، جوليان، لا أعتقد أنني كنت سأعود إلى العمل. كنت طريح الفراش. لم أكُن أرغب بفعل أي شيء. عاد هو إلى العمل، وفي النهاية أجبرني على ذلك أيضاً. لولا أخواي، لكنتُ على الأرجح لا أزال طريح الفراش الآن.
“كنت أعلم أنني يجب أن أعود إلى الحياة، لكن الأمر لم يكُن سهلاً. أجبرني أخي أنني يجب أن أعود إلى العمل. عائلتي بارعة في التواصل وكلمتنا هي رابطتنا. لذلك، أدركت أنني سأفعل ذلك لأنني قلت ذلك. كل شيء يحصل خطوة بخطوة”.
بعد فترة وجيزة، عاد نولز إلى النادي وقضى العشرين عاماً التالية مسيطراً إلى حد كبير على مشهد المواي تاي في بريطانيا، محرزاً لقب المجلس العالمي للملاكمة (WBC) قبل أن يحصل على فرصته في التحدّي على بطولة العالم في أكبر منظمة للفنون القتالية في العالم.
ومع ذلك، يقرّ نولز بأن ألم وفاة والده لا يزال حاضراً في نفسه. صحيح أنه أنجز الكثير في حياته، لكن هذا الألم لم يختفِ تماماً:
“التعافي يحصل خطوة بخطوة. الأمر أشبه بالتدريب وأنت متعب. عليك فقط أن تثق بالعملية. يخبرك الناس أنّ الأمر يصبح أسهل. لكنني لا أعتقد ذلك. أعتقد أنك تتعلم فقط كيف تتعايش مع العبء.
“تتعلم أن تحمل الثقل في جيبك. تحمل هذا الثقل وتتعلم كيف تتعامل معه”.
“عليك أن تقدّر الأشياء الصغيرة”
ورغم حزن نولز الشديد لفقدان والده، إلا أنه يعترف بأن تلك التجربة علّمته درساً لا يُقدّر بثمن:
“علّمتني ألا أعتبر كل شيء أمراً مسلماً به. في هذه المسيرة، عليك أن تُقدّر التفاصيل الصغيرة”.
وبالفعل، النجم البالغ من العمر 38 عاماً مصمم بأن يقدّر كل لحظة وهو بعد أيام من القتال على الحزام الذهبي ضد أحد أبرز نجوم “السترايكينغ” في العالم في أكبر منظمة للفنون القتالية وعلى أعرق حلبات المواي تاي.
ورغم تركيزه الكبير على محاولة الفوز على رومان كريكليا ومغادرة بانكوك متوجاً بالحزام الذهبي، إلا أنّ هذا لا يعني أنه لن يستمتع بنفسه على طول الطريق إلى هذا النزال.
وقال نولز:
“كمقاتلين، قد نركز كثيراً على توقيت وتاريخ محددين ونغفل عن التفاصيل الصغيرة. لا ندرك ذلك إلا لاحقاً. لكن بعد أن خضت نزالات لعقدين من الزمن، اعطف كي أستغل اللحظات الصغيرة. لذلك أستمتع بكل شيء. أنا ممتن لكل هذا.
“هناك أوقات في مسيرة كل مقاتل يشعر فيها بأنه يضيع وقته. لكن هذه التفاصيل الصغيرة هي التي تعني الكثير وتعجل التضحيات تبدو جديرة بالاهتمام”.